( طريقة الدعوة والخطاب )
ومن هنا تبدأ مسؤولية المعالِج في علاج حالة البيت وما تعرض له من إيذاء وضرر ، وعليه أن يركز من خلال دعوته على أمر هام جدا وهو العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى بأنواعه الثلاثة ( توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ) ، ومن ثم ينتقل للكلام عن رحمة الله سبحانه وتعالى وعقوبته ، ويذكر بحديث البطاقة الذي رواه ابن عمر - رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : أفلك عذر ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول : أحضر وزنك ، فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال : فإنك لا تظلم ، فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفه ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء ) ( صحيح الجامع - 1776 ) 0
بعد ذلك يسترسل في الحديث عن الجنة وما أعده الله سبحانه وتعالى فيها لعباده الصالحين ، من حور عين وفواكه وأنهار وعسل مصفى لذة للشاربين ، ويقف أمام أهوال النار وما أعده الله سبحانه وتعالى فيها للكافرين والمشركين ، ويتحدث تارة عن القيامة الصغرى منذ لحظة الموت وضمة القبر وسؤال الملكين ، وتارة أخرى يتحدث عن البرزخ وعذاب القبر ، ثم ينتقل للحديث عن القيامة الكبرى من بعث ونشور وصراط ونحو ذلك من أهوال يوم البعث والنشور ، ويستخدم أحيانا أسلوب الترغيب ، ويستخدم تارة أخرى أسلوب الترهيب ، ويتحدث عن الظلم وعاقبته ومآله ، وعادة ما تستجيب تلك الأرواح لمثل ذلك الأسلوب الدعوي بفضل الله سبحانه وتعالى ، وعادة ما يسلك المعالِج هذا المسلك في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى إن كان يعتقد بأن عمار البيت من الكفرة والمشركين ، وأما إن كان الاعتقاد لديه بأن تلك الأرواح من المسلمين ، فلا بد أن يوضح لهم حق المسلم على أخيه المسلم بالموعظة التي يراها مناسبة في حقهم 0
وإن رأى المعالِج من خلال خبرته وممارسته العملية أن تلك الأفعال ناجمة عن إيذاء من أهل البيت في حق تلك الأرواح ، فلا بد من إيضاح أنهم ما قصدوا الإيذاء وما تعمدوه ، وفي حال اعتقاد المعالِج بأن تلك الأرواح كافرة فيجب دعوتهم للإسلام وبيان حقيقته ورسالته النبيلة السامية ، وحال اعتقاده بأن تلك الأرواح مسلمة فيجب تذكيرهم بالله سبحانه وتعالى ومخاطبتهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبيان حقوق المسلمين بعضهم على بعض ، والأخوة الصادقة التي تربط بين المسلم وأخيه المسلم ، وإن كان اعتقاد المعالِج أصلا بتسلط تلك الأرواح عن طريق السحر ، بناء على الدراسة والبحث الموضوعي ومرئيات الحالة ، فلا بد أن يوضح لتلك الأرواح خطورة السحر والسحرة وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة 0
يقول الأستاذ ماهر كوسا : ( فإن المعالج والقارئ بكتاب الله الكريم يجب أن يكون على علم ومعرفة بكل هذه الأمور وعليه عند بداية مخاطبة الجن في أجساد البشر أن يكون حسن الخلق داعية إلى الله يبرز قدرة الدين الإسلامي في مخاطبة القلوب والعقول وأن يلجأ إلى الأسلوب الطيب المقنع كما أسلفت حتى يستنفذ كل السهام ، وعليه بالصبر فإن أفلح فالحمد لله ، وإلا فيقوم بإخراجه بالطريقة التي يراها مناسبة فيما يرضي الله تعالى ) ( فيض القرآن في علاج المسحور - 13 ) 0
اولا: التسمية والحمد والثناء على الحق تبارك وتعالى :
بعد ذلك يبدأ بالتسمية والحمد والثناء على الحق تبارك وتعالى ودعائه والتضرع إليه ، ثم الرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة ، وقد تم الإشارة إلى تلك السور والآيات في هذا الكتاب تحت عنوان ( طريقة علاج اقتران الأرواح الخبيثة ) ، مع التركيز على النصوص الثابتة الصريحة للرقية الشرعية في السنة المطهرة ، كقراءة سورة البقرة وآية الكرسي وأواخر سورة البقرة وسورة الإخلاص والمعوذتين ونحوه
ثانيا : النفث والتفل :
ومن ثم ينفث في ماء وملح ، وبالإمكان إضافة مسك أبيض وسذاب وحرمل للماء ويبدأ برش الماء في الزوايا العلوية للمنزل مبتدئ بالمدخل الرئيس من الجهة اليمنى ، ومعلوم أن التيامن في إكرام الضيف ونحوه سنة ، لما ثبت من حديث أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الأيمن فالأيمن ) ( متفق عليه )
قال المناوي : ( أي ابتدئوا بالأيمن أو قدموا الأيمن يعني من عند اليمين في نحو الشرب ، أو الأيمن أحق ورجحه العيني بقوله : في بعض طرق الحديث " الأيمنون فالأيمنون " وكرر لفظ الأيمن ، للتأكيد إشارة إلى ندب البداءة بالأيمن ولو مفضولا ، وحكي عليه الاتفاق بل قال ابن حزم : لا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذنه قال ابن العربي : وكل ما يدور على جمع من كتاب أو نحوه فإنما يدور على اليمين قياسا على ما ذكر ، وتقديم من على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار ، فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن عن اليمين بل لجهته ) ( فيض القدير - 3 / 190 ، 191 ) 0
وبعد الانتهاء من رش الماء يقوم برش الملح في الزوايا السفلية وبنفس طريقة رش الماء ، ويفضل استخدام النوع الصخري من أنواع الملح ، ولا بد للمعالِج من مراعاة الأمور التالية :
أ- أن يوضح لعمار المنزل أن قيامه بفعل ذلك لا يعتبر تعديا أو تقصدا للإيذاء ؛ بقدر ما هو رفع للظلم والبغي ، والجزاء إنما يكون من جنس العمل
ب- أن يوضح لأهل البيت بأن استخدام الماء والملح المقروء عليه بهذه الكيفية ، إنما هو من قبيل اتخاذ الأسباب المباحة للعلاج ، خاصة أن تلك الأرواح أكثر ما تتواجد في الزوايا والأركان بناء على ما ثبت تواترا لدى أهل الخبرة والدراية والممارسة ، وأن يوضح أيضا أن فعله ذلك ورشه الماء على هذا النحو يؤدي لطردهم من المنزل بإذن الله تعالى ، لا سيما أن تلك الأرواح تتأذى من الملح ولا تحبه من قريب أو بعيد ، وقد سألت فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين بخصوص تلك المسألة واستخدام الماء والملح على النحو السابق فأشار - حفظه الله - بجواز ذلك وأنه لا يرى بأسا باستخدامه دون الاعتقاد فيه ، إنما هو من قبيل الأسباب الداعية للطرد والشفاء بإذن الله تعالى ، هذا وسوف أعرج على تلك الفتوى لاحقا
وقد وقفت على كلام لأبي النضر هاشم بن القاسم حول مسألة رش الماء في الزوايا والأركان حيث يتكلم عن بعض الجن ممن كانوا يسكنون داره قال : ( فأخذت تورا من ماء ، ثم تكلمت فيه بهذا الكلام : بسم الله ، أمسينا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع ، وبعزة الله التي لا ترام ولا تضام ، وبسلطان الله المنيع نحتجب ، وبأسمائه الحسنى كلها عائذ من الأبالسة ، ومن شر شياطين الإنس والجن ، ومن شر كل معلن أو مسر ، ومن شر ما يخرج بالليل ويكمن بالنهار ، ويكمن بالليل ويخرج بالنهار ، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر إبليس وجنوده ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، أعوذ بالله : بما استعاذ به موسى ، وعيسى ، وإبراهيم الذي وفى ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر إبليس وجنوده ، ومن شر ما يبغي 0 أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ( بسم الله الرحمن الرحيم - سورة الصافات - الآية - 1- 10 - ثم تتبعت به زوايا الدار فرششته ، فصاحوا بي : أحرقتنا نحن نتحول عنك ) ، ( وهذا الدعاء المذكور في الوابل الصيب من الكلم الطيب لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن القيم الجوزية قرأ بعضا منه سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله- بحضرة سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- وغيره وقال ـ حفظه الله ـ : الذي ذكره ابن القيم في الوابل الصيب من الكلم الطيب ... ولما وصل سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله- إلى قول : " أحرقتنا أحرقتنا يا أبا النضر نحن نتحول من جوارك " .. قال سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- : " الحمد لله طيب ، إذا نفع هذا طيب " .. ثم أكمل سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -
-بالنسبة لأول عشر آيات من سورة الصافات تبين أنها تؤثر تأثيرا قويا ونافعا بإذن الله تعالى على الجن والشياطين فقراءتها تضعفهم وتنال منهم لما تحتويه من آيات ترهيب وتقريع ، ومع ذلك فلا يجوز الاعتقاد بها دون سواها من آيات وسور القرآن العظيم ، فالقرآن كله خير وشفاء والله تعالى أعلم
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم عن الرقية في الملح ؟؟؟
فأجاب - رحمه الله - : ( هذا ليس فيه بأس والناس توسعوا فيها - أي في جنس الرقية - من جهات الأولى البطيء فإنها كلما كانت أجد كانت أنفع ، وما دام لها أثر فإنها تصلح وأيضا الاستعمال وإلا فليس من شرطها أن تكون على معين فإنها قراءة ) ( فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم - 1 / 94 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن حكم استخدام رش الماء والملح في زوايا المنازل المسكونة بالجن والشياطين واعتبار ذلك من الأسباب الحسية للاحتراز من أذاهم بإذن الله تعالى ، حيث أنه يكثر تواجدهم في الزوايا وهم يكرهون الملح ولا يستسيغونه ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( لا بأس بطرح الملح في الماء حتى يذوب ثم يرش به زوايا المنزل من الداخل والخارج فقد جرب ذلك فوجد مفيدا في حراسة المنازل وطرد المتمردين من الجن والسلامة من أذاهم ، فإنهـم قد يتسلطون على بعض القراء والمعالِجين فيجوز استعمال ما ينفع في التحرز من شرهم وأذاهم ، وكذا يشرع قراءة بعض الأذكار والأوراد والتعوذات في ماء ثم يرش به المنزل الذي يتواجد فيه الجن والشياطين فإنه يبعدهم بإذن الله تعالى والله الشافي ) ( منهج الشرع في علاج المس والصرع )
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن القراءة في زوايا البيوت ببعض السور والآيات ، فأجاب – حفظه الله - : ( لا بأس بذلك والأولى أن تكون القراءة في البيت بشكل عام خوفاً من مضنة الاعتقاد ، والله تعالى أعلم ) ( منهج الشرع في علاج المس والصرع )
لا بأس باستخدام الدعاء الذي أورده الشيخ عمر الأشقر - حفظه الله - في كتابه ( عالم الجن والشياطين ) ، وهو على النحو التالي :
( بسم الله ، أمسينا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع ، وبعزة الله التي لا ترام ولا تضام ، وبسلطان الله المنيع نحتجب ، وبأسمائه الحسنى كلها عائذ من الأبالسة ، ومن شر شياطين الإنس والجن ، ومن شر كل معلن أو مسر ، ومن شر ما يخرج بالليل ويكمن بالنهار ، ويكمن بالليل ويخرج بالنهار ، ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر إبليس وجنوده ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، أعوذ بالله : بما استعاذ به موسى ، وعيسى ، وإبراهيم الذي وفى ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر إبليس وجنوده ، ومن شر ما يبغي 0 أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ( بسم الله الرحمن الرحيم - الصافات - 1 – 10 ) ، قلت : ( وهذا الدعاء المذكور في الوابل الصيب من الكلم الطيب لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن القيم الجوزية قرأ بعضا منه سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله- بحضرة سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- وغيره وقال ـ حفظه الله ـ : الذي ذكره ابن القيم في الوابل الصيب من الكلم الطيب ... ولما وصل سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله- إلى قول : " أحرقتنا أحرقتنا يا أبا النضر نحن نتحول من جوارك " .. قال سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- : " الحمد لله طيب ، إذا نفع هذا طيب " .. ثم أكمل سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -
ثم بعد ذلك قال : سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- : في الوابل الصيب ؟ .
فقال سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -: في الوابل الصيب .
ثم قال : سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- " يُجرب ، نفع الله به ، الحمد لله ، الأصل في الأدوية كلها الإباحة ؛ إلا ما حرمه الشرع ."
ثم قال سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله- : " جربه بعض الإخوان ، يقول : سقيته امرأة مجنونة ، ويقول في لحظة خرج الجان أو مات .
وكذلك فقد أورد الأستاذرضا الشرقاوي ما نصه : ( أقسم عليكم بعزة الله وقدرته وقهره وعظيم سلطانه وكبريائه أن تتسلسلوا بسلاسل من نار في أعناقكم وأيديكم وأرجلكم ) ( العلاج بالقرآن من أمراض الجان – ص 41 ، 42 )
ويجوز كذلك الدعاء بذلك من قبيل الدعاء على الظالم والمعتدي بعد إقامة الحجة عليه بالدليل والبرهان ، مع إصراره على الظلم والعدوان ، وقد تم بحث ذلك في هذه السلسلة ( المنهج اليقين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين ) ، تحت ( لجوء بعض المعالجين بالدعاء للجن أو عليهم ) ، خاصة أن هذا الدعاء لا يحتوي على أية محاذير أو مخالفات شرعية ، والله تعالى أعلم.